الصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة وقد أجمع العلماء على وجوب صيامه على
القادر عليه، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، ومنكر ذلك كافر بالاتفاق، لأنه
من المعلوم من الدين بالضرورة، مثله مثل بقية الأركان الأخرى.
والصوم لغة: هو الإمساك، وشرعا: إمساك عن شهوتي البطن والفرج في جميع
النهار بنية[1].
أما مشروعيته: فمن الكتاب: قوله تعالى: [ يا
أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون
أياما معدودوات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين
يطيقونه، فدية طعام مساكين. فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم
تعلمون. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن
شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر. يريد بكم الله
اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم
تشكرون][2].
ففي هذه الآيات دليل واضح على وجوب صيام رمضان للقادر عليه كما يوجد فيها
دليل على إباحة الفطر للمريض والمسافر.
أما من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس: شهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان
وحج البيت من استطاع إليه سبيلا"[3].
وعن طلحة بن عبيد الله أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال:
يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي
من الصيام؟ قال: شهر رمضان. قال: هل علي غيره؟ قال لا. إلا أن تطوع شيئا. قال:
فأخبرني ماذا فرض الله علي من الزكاة؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع
الإسلام قال، والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص شيئا مما فرض الله علي: فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق"[4].
أما الأعذار المبيحة للفطر فهي كثيرة سأتناول بعضها في مطالب:
المطلب الأول:
إباحة الفطر للمسافر والمريض:
يباح للمريض والمسافر الفطر في رمضان لقوله تعالى[ فمن
كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ][5]. وعليها القضاء بعد زوال الأعذار المرض أو
السفر.
فالمريض إذا خاف المرض والمسافر استحب لهما الفطر، فإن صاما أجزاهما ،
والمرض المبيح للفطر هو الذي يزيد بالصوم ويخشى تباطؤ برئه، ولا يجوز الفطر في
السفر إلا في سفر القصر.
والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام يقاس على المريض الذي يخاف زيادة المرض،
في إباحة الفطر لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفا مما يتجدد من صيامه من زيادة
المرض وتطاوله، والخوف من تجدد المرض في معناه، وهذا الرأي للحنابلة.
أما عند المالكية فمن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله
ضرورة، وعليه القضاء. والصوم عند المالكية أحب من الفطر ولا بد من أن يكون السفر
في طاعة.
والصوم عند الحنفية والشافعية أفضل للمسافر إن لم يتضرر. أو تكن عند
الحنفية عامة رفقته مفطرين، ولا مشتركين في النفقة، فإن كانوا مشتركين في النفقة
أو مفطرين فالأفضل فطره موافقة للجماعة.
وأضاف الحنفية: أن المحارب الذي يخاف الضعف عند القتال، وليس مسافرا له أن
يفطر قبل الحرب. ومن له نوبة حمى أو عادة حيض، لا بأس بفطره على ظن وجوده.
فالجهاد ولو بدون سفر سبب من أسباب إباحة الفطر، للتقوي على لقاء العدو،
وعملا بالثابت في السنة عام فتح مكة.
وعموما للفقهاء في فطر المريض أراء: فقال الحنفية والشافعية: المرض يبيح
الفطر.
وقال الحنابلة يسن الفطر حالة المرض ويكره الصوم.
وقال المالكية: للمريض أحوال أربعة:
الأولى: أن لا يقدر على الصوم بحال، أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن
صام. فالفطر واجب عليه.
الثانية: أن يقدر على الصوم بمشقة فالفطر جائز له. فهم كالحنفية والشافعية
وقال ابن العربي يستحب.
الثالثة: أن يقدر بمشقة ويخاف زيادة المرض ففي وجوب فطره قولان.
الرابعة: ألا يشق عليه ولا يخاف زيادة المرض. فلا يفطر عند الجمهور.
هذا بالنسبة للمريض. أما بالنسبة
للمسافر فقد اشترط العلماء لجواز فطره شروطا أهمها:
أولها: المسافة المعتبرة هي المسافة نفسها المبيحة قصر الصلاة.
ثانيها: أن يشرع المسافر في السفر قبل طلوع الفجر.
ثالثهما: وقد زاد الشافعية شرطا ثالثا وهو: ألا يكون الشخص مديما للسفر[6].
المطلب الثاني: إباحة الفطر للحامل والمرضع:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"إن الله وضع
على المسافر شطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم"[7].
وقد اختلف الفقهاء في الحامل والمرضع إذا أفطرتا هل عليهما إطعام؟ على أقوال.
1- قال مالك في المشهور، والشافعي في رواية: تطعم المرضع عن كل يوم لكل
مسكين إن كان طفلها لا يقبل غيرها، أما إن قبل غيرها استأجرت له وصامت، وكذلك إذا
لم تجد من تستأجر أو لم تجد ما تستأجر به[8].
- وفي رواية عن الحنابلة عليهما القضاء والإطعام.
- أما الشافعية فيوجبون على الحامل والمرضع القضاء دون الإطعام، لأنهما
أفطرتا للخوف على نفسيهما فوجب عليهما القضاء دون الإطعام كالمريض، وإن خافتا على
ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء، وفي الإطعام أوجه.
- الثاني: أن الكفارة مستحبة غير واجبة، وهو قول المازني لأنه إفطار بعذر
فلم تجب فيه الكفارة كإفطار المريض.
- الثالث: يجب على المرضع دون الحامل لأن الحامل أفطرت لمعنى فيها فهي
كالمريض. والمرضع أفطرت لمنفصل عنها فوجب عليها الإطعام. وينسب هذا القول للإمام
الشافعي.
2- قال مالك في رواية عنه والشافعي في المشهور تطعمان عن كل يوم مدا من
الطعام مع القضاء، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: [ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين][10] وهما داخلتان في عموم الآية:
3- وقال أبو حنيفة، والشافعي في رواية ومالك في رواية أيضا: تقضيان ولا
تطعمان[11].
4- قال مالك في رواية ثالثة تطعمان ولا قضاء عليهما واستدلوا بالآية
السابقة.
5- وفي رواية للشافعي تقضيان وجوبا وتطعمان استحبابا. واستدل على ذلك بأنه
إفطار بعذر فلم تجب فيه الكفارة كإفطار المريض، وقال الأحناف إذا خافت الحامل
والمرضع على لولديهما أفطرتا وقضيتا ولا فدية عليهما.
وإذا ما لخصنا الآراء السابقة يتضح الآتي:
- للأحناف.
رواية واحدة بالقضاء.
- وللمالكية
روايتان: بالقضاء وثلاث روايات بالإطعام.
- وللشافعية
أربع روايات بالقضاء وأربع روايات بالإطعام.
- وللحنابلة
روايتان بالقضاء ورواية بالإطعام.
ومنشأ الخلاف مرده إلى قياس الحامل والمرضع على الكبير أو على المريض، فمن
قاسهما على المريض أوجب عليهما القضاء ومن قاسهما على الكبير أوجب عليهما الإطعام[12]
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة
0 التعليقات:
إرسال تعليق