الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين والصلة بين العبد
وربه، وقد اجمع العلماء على وجوبها على كل مكلف. والأصل فيها الكتاب والسنة
والإجماع. كما أجمع العلماء على أن منكرها كافر، لأنها من المعلوم من الدين
بالضرورة مثلها مثل بقية الأركان الأخرى:
والصلاة
لغة: هي الدعاء، ومنه قوله تعالى [ وصل عليهم إن صلواتك
سكن لهم][1]، أي دعواتك، وسميت هذه العبادة صلاة قيل:
مجازا لما اشتملت عليه من الدعاء، وقيل مأخوذة من الصلوين وهما عرقان في الردف
ينحنيان في الركوع والسجود، وقيل: إنها مأخوذة من الصلة لأنها تصل بين العبد وربه
بمعنى أنها تدينه من رحمته وتوصله إلى كرامته وجنته.
أما من
حيث مشروعيتها: فهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع.
- أما من الكتاب:
فقوله تعالى:[ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء،
ويقيموا الصلاة وذلك دين القيمة][4] وقوله تعالى أيضا: [ فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بحبل الله هو
مولاكم. فنعم المولى ونعم النصير][5] وقال سبحانه وتعالى كذلك: [إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا][6].
- أما من
السنة: هناك أحاديث عديدة تدل على وجوب الصلاة. منها حديث ابن عمر عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا
رسول الله. وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه
سبيلا)[7].
وفي ما
معناه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة
وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"[8].
- أما من
الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة، وكفرت منكرها
وجاحدها.باعتبارها عمود الدين وأساسه.
لذلك وجب على كل مسلم أو مسلمة أدائها في وقتها وكيفما كانت الظروف
والأحوال لكن قد تعرض للمكلف ظروف تجعل من الصعوبة عليه أن يقوم بها إما كلية أو
جزئية فجاءته الشريعة بمجموعة من الرخص لتسهل عليه أدائها وترفع عنه الحرج. فما هي
هذه الأعذار التي تلحق المكلف وتجعله يجد مشقة في القيام بواجب الصلاة؟.
المطلب الأول: المرض والعجز
الصلاة كتاب موقوت على المؤمنين، فلا يجوز تأخيرها عن الوقت الاختياري لها
إلا لعذر شاق خارج عن قدرة الإنسان وإرادته، كالنوم والغفلة، أو الإغماء، أو
الجنون أو النسيان.
ومن مظاهر التيسر فيها والحرص على أدائها في أوقاتها: صلاة أصحاب الأعذار،
كالمرض والعجزة، فهؤلاء يصلون بالطريقة التي تتناسب مع قدرتهم. لما روي عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمران بن حصين رضي الله عنه:"صل قائما، فإن
لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"[9].
فالعجز والمرض عذران يخولان للمتصف بهما الصلاة كيفما شاء بحسب ما يتناسب
مع قدرته، قاعدا إذا لم يستطع القيام، أو يومئ ويشير برأسه للركوع والسجود إذا لم
يستطع القعود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ولا تسقط عنه ما دام في وعيه.
وقال قوم يصلي كيفما تيسر له، وظاهر الأحاديث أنه إذا تعذر الإيماء من
المستلقي لم يجب عليه شيء"[10].
قال السيوطي:"فكل عذر أسقط الجمعة إلا الريح العاصف فإن شرطها الليل،
والجمعة لا تقام بالليل. والناس في الجمعة أقسام:
الأول: من تلزمه وتنعقد به: وهو كل ذكر صحيح مقيم متوطن مسلم بالغ عاقل حر
لا عذر له.
الثاني: من تلزمه ولا تنعقد به
ولكن تصح منه، وهو العبد والمرأة والخنتى والصبي والمسافر.
الثالث: من تلزمه ولا تنعقد به وذلك اثنان: من داره خارج البلد وسمع
النداء، ومن زادت إقامته على أربعة أيام وهو على نية السفر.
الرابع: من لا تلزمه وتنعقد به وهو المعذور بالأعذار السابقة[11].
وإذا تأملنا حديث عمران بن حصين –رضي الله عنه- نجد فيه دليل واضح على أنه
لا يصلي المصلي الفريضة قاعدا إلا لعذر شاق يصعب معه القيام، بحيث لو قام لحقه
ضرر. ولا يجوز للمريض أن يتخذ ما يسجد عليه إذا تعذر سجوده على وسادة:"صل على
الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء، وأجعل سجودك أخفض من ركوعك"[12].
فقد أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن يفصل بين ركوعه وسجوده، وذلك بجعله أخفض من
ركوعه، فإن تعذر عليه القيام والركوع فإنه يومئ للركوع من قيام. ثم يقعد ويومئ من
قعود، وقيل:في هذه الصورة يومئ لهما من قيام يقعد للتشهد.[13]
وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال، وعند الغروب. وإذا
كان الجمع أرفق له لبطن به، ونحوه جمع وسط وقت الظهر بين الظهر والعصر، وعند غياب
الشفق للمغرب والعشاء، ولا يفصل بين الصلاتين إلا بمقدار الإقامة، ويعفى من
الاستنجاء لعدم القدرة لما سبق من العفو عن إزالة النجاسة مع عدم القدرة[14].
وهكذا فإن الشريعة الإسلامية السمحة هيأت للمريض والعاجز جميع الظروف التي
تمكنه من أداء عبادة الصلاة حسب استطاعته، وفي كل الظروف. ولا تسقط عليه بحال من
الأحوال بما سبق ذكره في أول المطلب من الأعذار.
المطلب الثاني: السفر
السفر هو الآخر سبب من الأسباب الموجبة للتخفيف وذلك على نوعين:
النوع الأول: وهو القصر:
والنوع الثاني: هو الجمع.
الفرع الأول: القصر في السفر
السفر له تأثير في القصر بالاتفاق، فقد اتفق العلماء على جواز القصر
للمسافر إلا قول شاذ، وهو: قول عائشة وهو أن القصر لا يجوز إلا للخائف لقوله
تعالى، [ إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ][15].
وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه كان خائفا، واختلفوا من
ذلك في خمسة مواضع:
- الأول: في
حكم القصر.
- الثاني:
في المسافة التي يجب فيها القصر.
- الثالث:
في السفر الذي يجب فيه القصر.
- الرابع:
في الموضع الذي يبدأ فيه المسافر بالتقصير.
- الخامس:
في مقدار الزمان الذي يجوز للمسافر فيه إذا قام في موضع أن يقصر فيه.
فأما حكم القصر فإنهم اختلفوا فيه على أربعة أقوال:
فمنهم من رأى أن القصر فرض المسافر المتعين عليه، ومنهم من رأى أن القصر
والإتمام كلاهما فرض مخير فيه كالخيار في وجوب الكفارة، ومنهم من رأى أن القصر
سنة، ومنهم من رأى أنه رخصة وأن الإتمام أفضل.
قال الحنفية، القصر واجب، وفرض المسافر في كل صلاة رباعية ركعتان، لا يجوز
له الزيادة عليهما ويجب سجود السهو إن كان سهوا. ودليلهم في ذلك، حديث عائشة، "فرضت
الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة القصر"[16]
وكذلك حديث عبد الله بن عباس "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع
ركعات وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة"[17].
وقال المالكية على المشهور الراجح: القصر سنة مؤكدة، لفعل النبي صلى الله
عليه وسلم، فإنه لم يصح عنه في أسفاره أنه أتم الصلاة قط.
وقال الشافعية والحنابلة: القصر رخصة على سبيل التخيير: فللمسافر أن يتم أو
يقصر. والقصر أفضل من الإتمام مطلقا عند الحنابلة:"لأنه صلى الله عليه وسلم
دوام عليه. وهو عند الشافعية على المشهور أفضل من الإتمام إذا وجد في نفسه كراهة
القصر.
ودليلهم على ذلك قوله تعال:"فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا"[18] وقوله
صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمر رضي الله عنه:"صدقة تصدق الله
بها عليكم فاقبلوا صدقته"[19].[20]
أما المسافة التي يجوز فيها للمسافر أن يقصر فقد اختلف العلماء في ذلك
اختلافا كبيرا: فقد ذهب مالك والشافعي وأحمد وجماعة كثيرة إلى أن الصلاة تقصر في
أربعة برد* وذلك مسيرة يوم بالسير الوسط.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون: أقل ما تقصر فيه الصلاة ثلاثة أيام. وان
القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق.
وقال أهل الظاهر: القصر في كل سفر قريب كان أو بعيدا.
والسبب في اختلافهم: معارضة المعنى المعقول من ذلك اللفظ، وذلك أن المعقول
من تأثير السفر في القصر أنه لمكان المشقة الموجودة فيه مثل تأثيره في الصوم، وإذا
كان الأمر على ذلك فيجب القصر حيث المشقة.
وأما من لا يراعي في ذلك إلا اللفظ فقد قالوا: قد قال النبي صلى الله عليه
وسلم "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة"[21]فكل
من انطبق عليه اسم مسافر جاز له القصر والفطر وأيدوا ذلك بما رواه مسلم عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم"كان يقصر نحو السبعة عشر
ميلا"[22].
واشترط الإمام أحمد أن يكون القصر في السفر المتقرب به: كالحج والعمرة
والجهاد في حين أجازه مالك والشافعي في السفر المباح دون سفر المعصية وذهب أبو
حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور على أن القصر يكون في كل سفر، سواء قربة أو سفرا
مباحا أو سفر معصية. أما مدة القصر: فقد ذهب أبي حنيفة إلى أن مدة القصر هي خمسة
عشر يوما فإذا نوى إقامة أكثر منها أتم، وفي أقوال المذهب سبعة عشر يوما، وثمانية
عشرة يوما، وتسعة عشر يوما ثلاث روايات.
أما عند المالكية والشافعية والحنابلة فمدة القصر هي: أربعة أيام، ولا يعد
يوم الدخول فلو نوى إقامة الأربعة أتم، والجميع حجتهم من فعل الرسول صلى الله عليه
وسلم.
فحجة الأحناف ما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصر بمكة عام الفتح سبعة
عشرة ليلة أو ثمانية عشر ليلة أو تسعة عشر ثلاث روايات.
وحجة غيرهم ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من أنه قدم مكة صبيحة الرابع من
ذي الحجة وأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن
وكان يقصر حتى ذهب إلى منى[23].
الفرع الثاني: الجمع بين صلاتين في السفر:
الجمع للسفر جائز للحديث الذي أخرجه مالك في موطأه من حديث معاذ بن جبل رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين
المغرب والعشاء.
فقد أجمع الجمهور غير الحنفية على جواز الجمع بين الظهر والعصر تقديما في
وقت الأولى وتأخيرا في وقت الثانية، وبين المغرب والعشاء تقديما وتأخيرا في السفر
الطويل كما في القصر.
ولا يجوز الجمع إلا في مشتركتي الوقت: فلا يجوز جمع الصبح مع الظهر ولا
العصر مع المغرب فالصلوات التي تجمع هي: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت
إحداهما. ويسمى الجمع في وقت الأولى جمع التقديم ،والجمع في وقت الصلاة الثانية:
جمع التأخير.
ودليل جمع التأخير: الحديث الثابت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس، أخر الظهر إلى
وقت العصر ثم نزل يجمع بينهما، فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب.[24]
ودليل جمع التقديم:حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان في غزوة تبوك، إذا رحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب.[25]
غير أن الحنفية ذهبوا غير مذهب الجمهور فقالوا: لا يجوز الجمع إلا في يوم
عرفة للمحرم بالحج:جمع تقديم بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين لأن العصر يؤدي
قبل وقته المعهود فيفرد بإقامة إعلاما للناس. وفي ليلة مزدلفة: جمع تأخير بين
المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة واحدة لأن العشاء في وقتها فلم تحتج للإعلام.[26]
وهكذا فالتخفيفات الواردة في السفر الهدف منها: هو دفع الحرج والمشقة التي
يتعرض لها المسافر غالبا والتيسر عليه في حقوق الله تعالى والترغيب في أداء
الفرائض وعدم التنفير من القيام بالواجب، فلا يبقى لمقصر و مهمل حجة أو ذريعة في
ترك فرض الصلاة.
المطلب الثالث: الحيض والنفاس:
أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا صلاة عليهن لفقدان شرط الطهارة
وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري حيث قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت
أبي حبيس"إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي".
وقالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: أتجزئ إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت أحرورية
أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت فلا
نفعله"[27].
ويحرم على الحائض الصلاة والصيام ومس المصحف، ولا بأس بقراءة القرآن عن ظهر
قلب، إلا إذا انقطع الدم ولم تغتسل وكذلك يحرم عليها الطواف بالبيت الحرام، لأن من
شرط صحته الطهارة، فهو كالصلاة للحديث الذي أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها
أنا قالت لرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن صفية بنت حبي قد حاضت. قال
رسول الله عليه وسلم: لعلها تحبسنا إن لم تكن حائض.[28]
إلا أن أبا حنيفة لم يشترط الطهارة في الطواف[29].
ويحرم كذلك وطؤ الحائض حتى تطهر لقوله تعالى: [ ويسئلونك
عن المحيض قل: هو أذى. فاعتزلوا النساء في المحيض. ولا تقربوهن حتى يطهرن][30]. والدليل على إعفاء المرأة الحائض من قضاء
الصلاة. حديث معاذة عن عائشة قالت:"كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم نطهر، فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة"[31].
كل هذا الذي ذكر من قبيل التيسير على المكلف حيث إن هذه الأعذار من الأعذار
المشروعة والتي هي من الفطرة. ولا دخل لإرادة الإنسان فيها. ولأن مدد الحيض والنفاس
قد تطول، فإذا ما كلفت الحائض والنفساء بقضاء خمس صلوات في اليوم والليلة شق عليهن
ذلك ولا سيما أن التكليف بالأداء بعد الطهر يزيد الأمر صعوبة مع القضاء. لذلك كان العفو
عن قضاء الصلاة.
*- البريد: اثنى عشر ميلا، والميل= كيلو مترا
وثلاثة أخماس أي
فالبريد = ما يقارب عشرين كيلو مترا ومسافة القصر أربعة برد=78 كم تقريبا.
[26] - ينظر بداية المجتهد ج1
ص188-مظاهر التيسر ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية فرج علي حسين ص 78- الفقه
الإسلامي وأدلته ج 1 ص359.
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة
0 التعليقات:
إرسال تعليق