نشأة القواعد الفقهية
إن مجرد إلقاء نظرة على القواعد
الفقهية وطريقة صياغتها وشكلها التي وجدت عليه وخاصة القواعد الفقهية الكبرى، يتضح بما لايدع للريب سبيلا أن جزءا
من هذه القواعد مستنبطة من القرآن أو السنة النبوية إما باللفظ والمعنى أو بالمعنى
فقط.
فمن الآيات التي أخذها العلماء على هيئتها التي نزلت بها وصاغوها قاعدة فقهية. فقوله تعالى [ وأحل الله البيع وحرم
الربا][1].
وهناك عدد كثير من الآيات استنبط منها الفقهاء قواعد فقهية منها:
قوله تعالى: [ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر][2]
. فمن هذه الآية الكريمة أخد الفقهاء
القاعدة الفقهية الكبرى "المشقة تجلب التيسير".
ومن قوله تعالى [ وما جعل عليكم في الدين من حرج][3] اقتبس
العلماء قاعدة فقهية كبرى هي شبيهة بالقاعدة السابقة في المضمون وهي قاعدة
"الحرج مرفوع".
كذلك استنبط العلماء من قوله تعالى: [ فمن اضطر غير
باغ ولا عاد فلا إثم عليه][4] قاعدة
"الضرورات تبيح المحظورات".
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي صاغها الفقهاء على شكل قواعد
فقهية أو اعتبرت مادة خصبة لاستخراج القواعد الفقهية.
أما السنة النبوية فهي الأخرى تشتمل على أحاديث استعملها الفقهاء على
هيئتها التي جاءت بها وجعلوها قواعد فقهية من ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"[5]
هذا الحديث الشريف جعله الفقهاء قاعدة فقهية، كما استنبطوا منه قواعد كثيرة مثل
"الضرر يزال" والضرر لا يزال بالضرر" و "يحتمل الضرر الخاص
لدفع الضرر العام". وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام "الخراج
بالضمان"،[6] فهي قاعدة جاهزة اعتمدها
الفقهاء بلفظها وصياغتها.
أما الأحاديث التي استنبط منها الفقهاء قواعد فقهية كثيرة أهمها:
قوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات"[7]
فعلى هذا الحديث اعتمد الفقهاء في صياغة القواعد التي لها علاقة بالنية مثل
القاعدة الكلية "الأمور بمقاصدها" "ولا تواب إلا بنية" و
"العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني" و"إنما لكل امرئ
ما نوى".
من هذه الأمثلة السابقة يتضح لنا أن البذرة الأولى للقواعد الفقهية
كانت في عصر الرسالة أو عصر التشريع حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنطقه
الله بجوامع الكلم. كانت أحاديثه التشريعية في أغلب الأحكام بمثابة القواعد العامة
التي تنطوي تحتها فروع فقهية كثيرة.
وهذا ما أكده الدكتور الروكي: بقوله " يمكن أن أقرر- بكل
اطمئنان- أن القواعد الفقهية الكلية نشأة منذ نزول القرآن الكريم وصدور السنة
النبوية إلا أنها كانت في غاية العموم والسعة"[8].
وإذا انتقلنا من عصر النبوة ونزول الوحي إلى عصر الصحابة رضوان الله
عليهم وجدنا أن الكثير من المجالس التي كانوا يقيمونها والرسائل التي كانوا يبعثونها إلى ولاتهم في الأمصار
المختلفة وفتاواهم في الأمور المعروضة تصلح لأن تكون أو تصاغ منها قواعد فقهية
كلية والتي جاءت متأثرة بالقرآن والسنة النبوية.
وعلى سبيل المثال القول المشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه المروي
في صحيح البخاري "مقاطع الحقوق عند الشروط"[9]
فرواية عمر هذه تعتبر قاعدة في باب الشروط[10].
فجميع
هذه الآثار والمرويات أمارة
ظاهرة على وجود القواعد الفقهية في عصر الرسالة – أي فترة نزول
الوحي- وعصر الصحابة. الذين كانوا ينطقون بكلمات لا تخص موضوعا واحدا أو قضية
معينة بل يمكن إجراؤها في كثير من المواطن وعلى هذا المنهج سار خلفهم من التابعين.
وإذا انتقلنا من هذه المرحلة إلى عصر أئمة الفقهاء نجد بأن هذا العصر
كان الانطلاقة الفقهية باعتبارها فنا مستقلا بذاته ولعل السبب في
ذلك كما يرجع أحمد الندوي هو بروز ظاهرة التقليد في القرن 4 هـ حيث اضمحل الاجتهاد وتقاصرت الهمم في ذلك
العصر[11]
حيث اقتصر المقلدون من أتباع هذه المذاهب على ما خلفه أئمتهم من نزوة فقهية عظيمة
نشأة من تدوين الفقه وبما خلفه الفقهاء من أحكام اجتهادية معللة أغلقت باب
الاجتهاد على الذين أتوا من بعدهم واقتصروا على أن يخرجوا من فقه المذاهب أحكاما
للأحداث الجديدة. مما أدى هذا التخريج إلى
اتساع الفقه ونموه.
وممن يرجع لهم الفقهاء أسبقية الخوض في هذا المضمار هم فقهاء الحنفية
ولعل ذلك للتوسع عندهم في الفروع وأخذ بعض الأصول عن فروع أئمة مذهبهم[12]
فمذهب أبي حنيفة هو الأسبق ظهورا وتأسيسا من غيره من المذاهب الفقهية الأخرى وأقدم
ما وصلنا من كتب القواعد الفقهية، هو كراسة صغيرة للفقيه الحنفي أبي الحسن الكرخي
المتوفي سنة 340 هـ وهي تظم مجموعة من القواعد الفقهية العامة على مذهب أبي حنيفة[13].
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة
0 التعليقات:
إرسال تعليق