تعريف قاعدة المشقة
تجلب التيسير.
لقد اشتملت العديد من كتب الفقه على قواعد جليلة وضوابط راشدة تؤصل لمنافذ
اليسر وفسح التخفيف في دين الله تعالى، حتى إذا ولج المكلف مضيقا من مضايق الحرج
والعسر وجد أمامه من الرفق واليسر، والتخفيف ما يراعي أعذاره ويدفع عنه أسباب
الحرج. وأول ما يصادفنا في كتب القواعد ما له صلة وثيقة بهذا الباب، القاعدة
الكبرى:"المشقة تجلب التيسير"."حيث عدها العلماء واحدة من خمس
قواعد ينبني عليها الفقه، وتدور عليها الأحكام، وتتخرج عليها جميع رخص الشرع
وتخفيفاته"[1]. فما معنى هذه القاعدة لغة
واصطلاحا؟.
-
المشقة:" مفعلة من الشق بالفتح والكسر وهو:الجهد، والعناء، والانكسار الذي
يلحق البدن، ومنه قوله تعالى: [ونحمل أثقالكم إلى بلد
لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس[2]][3]أي إلا بجهد الأنفس" ويقال شق علي
الأمر يشق شقا ومشقة أي ثقل علي والاسم الشق. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "
لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"[4]
:أي لولا أن أثقل على أمتي من المشقة وهي الشدة"[5].
-
الجلب:"سوق الشيء من موضع إلى آخر، وجلبه يجلبه واجتلبته: وجلبت الشيء إلى نفسي
بمعنى"[6].
- التيسير:اليسر
اللين والانقياد وياسره أي ساهله. وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:"يسروا ولا تعسروا"[7]. واليسر
ضد العسر. قال ابن سيده: وتيسر الشيء واستيسر تسهل.
والتيسير
يكون في الخير والشر قال تعالى [ فسنيسره لليسرى][8] هذا في الخير قال أيضا [ فسنيسره للعسرى][9] وهذا في الشر.
أما من
الناحية الاصطلاحية: فقد عرفها الشاطبي المشقة بتقسيمها إلى أربع معان[10].
أولها:
مطلق كتكليف ما لا يطاق فإنه يسمى مشقة. مثل تكليف المقعد بالقيام. وتكليف الإنسان
بالطيران في الهواء. وهذا النوع لم يقع التكليف به ولم يقصده الشارع.
ثانيها:
مشقة خاصة بالمقدور لكنها خارجة عما اعتاده الناس في أعمالهم العادية. بحيث يشوش
على النفوس في تصرفها، إلا أن هذا النوع على ضربين
- الأول:
أن تكون المشقة موجودة في عين الفعل، وإن لم تتكرر كالصوم في المرض والسفر. وهذا
النوع قد شرعت له الرخص.
- الثاني:
ألا تكون المشقة موجودة فيه، ولكنها تنشأ من الدوام عليه... وهذا يوجد في النوافل
إذا داوم الإنسان عليها، بحيث يتحمل فيها فوق ما يتحمل عادة.
-
ثالثهما: مشقة خاصة بالمقدور، إلا أن التعب الناتج عنها لم يخرج عما اعتاده الناس
في الأعمال العادية فهي لا تعتبر في ذاتها مشقة ولكن التكليف بالفعل المشتمل عليها
يقتضي من العبد التزامه. وهذا الالتزام شاق على النفس.
رابعهما:
مشقة مجاهدة النفس ومحاربة هواها وشهواتها وهذه قد تنشأ من التكليف ببعض الأفعال.
كالصوم فإن فيه محاربة شهوة الأكل والشرب والوطء. ومخالفة الهوى شاقة على صاحب
الهوى مطلقا ويلحق الإنسان بسببها تعب وعناء.
وعموما
فإن معنى القاعدة في الاصطلاح: أن المشقة المعتبرة شرعا متى وجدت في أمر من الأمور
كانت سببا شرعيا في جلب التيسير والتخفيف للمكلف. وذلك بتسهيل الحكم الشرعي
والتخفيف منه.
وإلى ذلك أشار الندوي
بقوله:"فهذه القاعدة فيها تفسير للأحكام التي روعي فيها التيسير والمرونة.
وأن الشريعة لم تكلف الناس بما لا يستطيعون، أو بما يوقعهم في الحرج. وبما لا يتفق
مع غرائزهم وطبائعهم وأن المراعاة والتيسير والتخفيف مرادة ومطلوبة من الشارع
الحكيم"[11]
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة
0 التعليقات:
إرسال تعليق