الفرع الأول: من الكتاب
لقد قامت الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة من الكتاب حتى صار ذلك مقطوعا
به في الدين الإسلامي الحنيف، ومشروعية الرخص تشير كلها، إلى أن الله تعالى شرع
الأحكام ميسرة سهلة مبنية على اليسر والسماحة: قال الشاطبي" إن الأدلة على
رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع"[1] .
وقاعدة
المشقة تجلب التيسير وهي قاعدة فقهية صارت أصلا مقطوعا لتوافر الأدلة عليها من
الكتاب والسنة والإجماع.
حيث أن
مضمون هذه القاعدة أصبح من القضايا المسلمة بين علماء المسلمين من غير نزاع. وهكذا
نجد أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله يقدم الكثير من الأدلة من الكتاب والسنة
والإجماع. ومن عموميات الشريعة التي تنفي الحرج عن هذه الأمة يقول رحمه الله
والدليل على ذلك عدة أمور.
أحدها: النصوص الدالة على ذلك: كقوله تعالى [ ويضع عنهم إسرهم والأغلال التي كانت عليهم][2]. وقوله أيضا: [ ربنا ولا تحمل علينا إسرا كما حملته على الذين من قبلنا][3] وقوله سبحانه وتعالى: [ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها][4] وقوله: [ وما جعل عليكم من حرج] [5]
وقوله أيضا [ يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] [6]وقوله
جل وعلى: [ ما يريد ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد
ليطهركم][7] كما قال تعالى: [ يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا] [8] .
وما إلى
ذلك مما في هذا المعنى، ولو كان قاصدا للمشقة لما كان مريدا لليسر والتخفيف. ولكان
مريد للحرج والعسر وذلك باطل[9] .
الفرع الثاني: أما في مجال السنة المطهرة
فإذا تصفحت الأحاديث وجدت كثيرا منها
تشير إلى معاني هذه القاعدة الشرعية. وليس أدل على ذلك من قول الرسول صلى الله
عليه وسلم"بعثت بالحنيفية السمحة"[10]،
وعن أبي
هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يسر، ولن
يشاذ الدين أحد إلا غلبة. فسددوا ووقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغذوة والروحة وشيء
من الدلجة"[11].
ومن هذا
الباب ما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يسروا ولا
تعسروا وبشروا ولا تنفروا"[12] .
وعن أبي
مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله: لا أكاد أدرك الصلاة مما
يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا من يومئذ
فقال:"يا أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض
والضعيف وذا الحاجة"[13]
وعن عائشة
رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم، أمرهم من
الأعمال ما يطيقون"[14].
ولم يقف
الأمر عند هذا الحد بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يترك الأمر مخافة
أن يكون فيه مشقة على أمته.
فمن
الأحاديث الجليلة في هذا المعنى، قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على
أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا
ثم أقتل"[15].
وعن عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما قال:"أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء،
فخرج عمر، فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر
فقال:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة"[16].
واضح من الآيات الكريمة-السابقة- والأحاديث الشريفة أن الله تعالى جاء بهذا الدين
يسيرا، حيث لا توجد أدنى مشقة في تنفيذ تعاليمه الحميدة. فالإنسان يقدر بقدرته
وطاقته التي وهبها الله له. أن ينفذ هذه التعاليم النظيفة عارية من كل ضيق أو حرج.
يضيف الشاطبي رحمه الله:
والثاني: ما تبث من مشروعية الرخص وهو أمر مقطوع به،
ومعلوم من دين الله بالضرورة، كرخص القصر، والفطر، والجمع وتناول المحرمات يدل
قطعيا على مطلق رفع الحرج والمشقة. وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق في التكليف،
والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال، ولو كان الشارع قاصدا للمشقة في التكليف،
لما كان تم ترخيص ولا تخفيف.
والثالث: الإجماع على عدم وقوعه –يعني الحرج- وجودا
في التكليف، وهو يدل على قصد الشارع إليه، ولو كان واقعا لحصل في الشريعة التناقض
والاختلاف وذلك منفي عنها[17].
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة
0 التعليقات:
إرسال تعليق