
أي ما ينتظر أن يصير واقعا، فاعتبار المآل أصل في شريعتنا تنبني عليه قاعدة أصلية. أما الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله اعتبره "كأصل كلي يقتضي تنزيل الحكم على الفعل بما يناسب عاقبته المتوقعة استقبالا"[3]. والمعلوم كما قال الدكتور: "أن معرفة الواقع الذي يجتهد فيه ويجتهد له، والخبرة بأهله وبأحوالهم وأوصافهم وظروفهم، شرط لا بد منه للفقيه وللمجتهد وللمفتي"[4] من أجل إعمال القاعدة لتنزيل الحكم بجانب اعتبار مآل ذلك الحكم من القاعدة المطبقة في المسألة.
قال الإمام الشاطبي: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، مشرعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإن أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استيعاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة، أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول بالثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يقع إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد، صعب المورد إلا أنه عذب المذاق، محمود العب جار على مقاصد الشريعة[5]. فكل متحدث عن المآل لو ذكر ما قاله الشاطبي رحمه الله لكفى المطلوب وشفى المرغوب في هذا الباب، إلا أن حديثنا في علاقته بالقواعد عند إعماله، أو إعمالها، فالأفعال مثلا :مشروعة بأصلها لا يعني بحال إهمال النظر إلى مآلاتها فإذا غلب الظن أن الفعل المشروع سيؤول إلى مآل ممنوع منع ذلك الفعل حسما لذرائع الفساد[6]. وذلك أن الحكم حينما يأخذ من قاعدة فإنه يحمد بجانب القاعدة إلى اعتبار نتيجة الفعل ومآله، كما ذكر الدكتور عبد الرحمان الكيلاني أن مكانة هذا الأصل تتقرر قاعدة "اعتبار المآل" بشكل آكد في كل الفروع والجزئيات ومراعاته في القواعد والكليات“[7].
فهناك قواعد جمة متفرعة عن اعتبار المآل كما أقره الإمام بقوله وهذا أصل ينبني عليه قواعد منها: قاعدة الذرائع، التي حكمها مالك، في أكثر أبواب الفقه، (وسيأتي التطبيق في بابه)، ومنه قاعدة الحيل... ومما ينبني على هذا الأصل، قاعدة الاستحسان، وهو في مذهبنا (مالك)"الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي"[8].
ومنه فإن الفقيه أو المجتهد عند إعمال القاعدة على نازلة فإنه يراعي مآل ذلك الفعل في تنزيل القاعدة عليه نظرا إلى ما يؤول إليه الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد[9]. فمنع سب الكفار راجع في أصله إلى ما يؤول إليه الفعل ، قال تعالى:﴿ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾[10]. ومنه أيضا امتناع النبيe من قتل المنافقين، وعدم بناء البيت على قواعد إبراهيم وغيره كثير، وكله داخل في قاعدة سد الذرائع مراعاة لما يؤول إليه الفعل في الآجل،” والفعل إنما ينظر إليه من جهة ما ينجم عنه من مصلحة غالبة تدعوا إلى مشروعيته، أو مفسدة راجحة تحتم منعه وسد السبل المفضية إليه بقطع النظر عنه تكييف أصل الفعل شرعا، وعلى قدر إفضاء الوسيلة إلى المصلحة يكون الحكم عليه بالمشروعية، وعلى قدر إفضائها إلى مفسدة تكون درجة منعها وحظرها[11]. وأشير هنا إلى أن الدكتور عبد الرحمان إبراهيم الكيلاني عقد عنوانا خاصا في كتابه قواعد المقاصد ص 362،"القواعد التي تلزم المجتهد النظر إلى مآل الفعل".
ومن القواعد التي ترتبط بهذا الشأن من المآل "مراعاة الخلاف" في اعتبار جواز صلاة الشافعي خلف المالكي أو المالكي خلف الشافعي، وإن اختلفا في كثير من الفروع التي تمس شروط الصلاة. "ذلك أن القول ببطلان صلاة غير الشافعي سيؤدي إلى مفسدة كبيرة"[12] وهي تقسيم الأمة وإثارة الفتن، وبواعث الإختلاف عند العامة دافعة حتما إلى مآل الحقد على المخالف ومقاتلته، ومن هنا أخذ العلماء جواز صلاة أتباع المذاهب خلف بعضهم وإن اختلفوا في الفروع الظنية، وهذا مراعاة للخلاف "بل إن بعضهم أخذ بالإجماع في هذه القضية"[13].
ومن القاعدة أيضا بعض العقود، كنكاح الشغار فإنه يثبت بعد الدخول بصداق المثل، عملا بقاعدة مراعاة الخلاف.
فهذه الصورة و غيرها راعت مآل اطراد الحكم على وفق الرأي الراجح تفاديا لذلك المآل الممنوع أخذ باعتبار الآراء الأخرى المحتملة للصحة والصواب،وهذا أمر يعكس واقعية الشريعة الإسلامية في معالجتها للقضايا وفق حقائقها وآثارها المترتبة عليها"[14]، ومن ثمة فالمآل باعتباره نظرا اجتهاديا فإنه يمثل أرقى مراتب الاجتهاد، وأنضج صوره، وأدقها على الإطلاق"[15]. ومن الأمثلة في رفع الحرج والتيسير: الأعرابي الذي بال في زاوية من المسجد، فكان منه أن رفع الحرج مقصود شرعا، ولو في الآجل، وغير هذه القواعد كثير، ومن ثم فإن أي قاعدة نريد تطبيقها فإننا ننظر إلى حال الذي نعمل بها فيه وإلى المآل الذي يؤول إليه الحكم انطلاقا من القاعدة.
· استنتاج:
إذا جمعنا بين مراعاة الحال واعتبار المآل فإننا نجمع بين الواقع والمتوقع أثناء إعمال القاعدة في محلها الخاص على المسألة لتنزيل الحكم الشرعي، وخلال اعتبار الحال والمآل في القواعد يستوجب هنا شروطا ضرورية أذكر منها:
ü معرفة القواعد الكلية الكبرى.
ü إنزال القاعدة الخاصة بالمسألة بعد مراعاة المآل والحال في المسألة.
ü النظر في مستثنيات القاعدة .
ü عدم جواز التوقع في مآل الفعل ولا حاله إلا للمتمكن من مقاصد الشريعة الإسلامية المحيط بدقيقها والعارف بمكامن أغوارها.
ü معرفة أحوال المكلفين، ومراعاة ما بينهم من تفاوت وهذا جزء لا يتجزأ من فقه الواقع أو اعتبار الحال، بكل الأماكن وفي جميع الأزمنة.
٭ وفي الختام يمكن القول بأن إهمال النظر إلى المآل والحال عند الإعمال بواسطة القواعد ومن خلالها حتما سيؤدي بالحكم على المسألة إلى أن تخرج عن مقصود الشارع، فيكون الحكم مخالفا ومناقضا للمصلحة المرجوة والمقصد المعتبر عند الشارع.

مشاركة من طرف الأستاذ: عبد المومني محمد.
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة,
مشاركات الزوار
3 التعليقات:
السلام عليكم
لقد قمت بتصميم وتعريب قالب لمدونتك
وجعلته شبيه القالب الحالي
اتبع الرابط التالي لمشاهدته مباشره
واذا لك اي ملاحظه اكتبها في مدونتي
مدونة مغترب
لاجل اقوم بالتعديل قبل رفعه
منتظر رايك تحياتي
مش عارف رفعت الرابط ام لا
الرابط
http://khrapeet.blogspot.com/
اهلاً حمزه
صممت وعربت قالب شبيه لقالب المدونه الخاص بك
اطلع عليه اذا لديك اي ملاحظه قبل ان ارفعه للمدونه
اتبع الرابط التالي :
http://khrapeet.blogspot.com/
منتظر ردك
إرسال تعليق