إن الحدث عن المقاصد
يتطتب منا ضرورة الحديث عن مراتبها عند العلماء واتجاهات بعضهم في كيفية ترتيبها،
ثم إن علم المقاصد ومراتبه من آكد العلوم تعلما في سياق التفقه والتدبر في الدين
قصد خشية الله عز وجل بعلم، وبما أمر به سبحانه وتعالى بواسطة نبيه الكريم صلى
الله عليه وسلم، ولتبليغ ما يتعلم للناس عموما وللمسلمين خصوصا، وإنذارهم كما قال:﴿ فلولا
نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
لعلهم يحذرون﴾[1] وقد نص القرآن كذلك على
أن الفهم والخشية الحقيقية لا تكون إلا
للعلماء بقوله تعالى:﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾[2].
إذا فإن من استوعب أمور الشريعة حقا
وفهم أغوارها واطلع على أسرار أحكامها التكليفية هم ورثة الأنبياء، فكان طبيعيا أن
يصلوا إلى حقيقة عبادة الله وخشيته، ويعد جل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذين عاشوا الوحي وشاهدوا تنزلاته واحدة واحدة، أنهم :فهموا مقاصد الشرع ومراميه،
قال الدكتور عبد الحميد العلمي:"ولعل من أخذ الخبرة واستوعب العبرة هم صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ على عاتقهم وكل أمر التعريف بأسرار التكليف، فكانوا
القدوة في العلم والعمل، وأصحاب ريادة في التفقه والبيان. وكان طبيعيا أن نجد في
أفراد الأمة من سار على نهجهم ونسج على منوالهم فكتب الله بفضل هذا السير وذلك
النهج أسباب التحقق بالإيمان والإلمام"[3].
إلا
أن الناظر في طبيعة هذا العلم يجدها مؤسسة على ما يتوصل به إلى ﭐستنباط
الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية، وهو ما درج عليه المحققون باعتماد مبدٳ
استدرار المعاني من الألفاظ ولحظ مجاري العلل والأمارات، والأخذ بالأدلة اﻹجمالية
للحكم بها على قضايا الأعيان الجزئية. وذلك من خلال لم شتات هذه المعاني، وتتبع
مناهج العلماء فيها بجمها في مباني وألفاظ موجزة مقتضبة المعنى واضحة المغزى وهي
قواعد وكليات وضوابط فكانت منها في الأصول والفقه والنوازل...ولقد كانت اﻹرهاصات
الأولى لعلم المعاني والغايات منذ نشأة علم أصول الفقه بقواعده، مع اﻹمام
الشافعي رحمه الله(ت 204ﻫ).
فكانت رسالته متنفسا لمن أشكل عليه فهم بعض تكاليف الشريعة بضوابط وكيفية استنباط أحكام تكليفية، فعكفوا على شرحها وبسطها وإلى
جانب هذا ظهر علم الخلافيات فكان كل يدافع عن رأيه وعن مذهبه بقواعد محكمة، وعمل
كل على صيانة مذهبه، بما أن يحكمه بقواعد ثابتة لاستنباط الأحكام التي يحتاج إليها
المجتهد، وكان لكل طريقته وصار الناس في التقليد وعمدوا إلى التصنيف في هذا العلم
بقواعده حتى خمد، كما كان قبله علم الفقه وتقلصت رقعة الاجتهاد وكادت تنطفئ، إلى
أن يسر الله من يحيي هذا العلم وينفض عنه الغبار و يجدد قواعده و يضفي عليه صبغة
الأسرار و المعاني، فبرز اﻹمام الشاطبي رحمه الله بنمط حديث، وقراءة حية لما تركه
الأقدمون أمثال اﻹمام الشافعي واﻹمام مالك
وأبو حنيفة النعمان وغيرهم رحمهم الله، حتى جاء من فهم مؤلفه وﭐطلع على أغواره وما
أراده اﻹمام أن يكتب له الذيوع واﻹنتشار، فنهج على منواله، وقد كان قبل اﻹمام كثير
من العلماء لهم اتجاهاتهم الخاصة بعلو المقاصد أمثال اﻹمام الجو يني والعز بن عبد
السلام... كما أن المحدثين أضافوا وعدلوا، وسأبين بعض هذه الاتجاهات وكيفية اجتهاد
أصحابها من خلال القواعد، لتحديد المصالح التي حددها الشرع الحكيم ضمن ضوابط وقواعد
وتوازن الاجتهاد فيها. شكل
عليه فهم بعض
[3]
مدخل إلى علم المقاصد، الدكتور عبد الحميد
العلمي، ص 02.
مشاركة من طرف الأستاذ: عبد المومني محمد
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة,
مشاركات الزوار
0 التعليقات:
إرسال تعليق