يرى
الأصوليون أن المقاصد إنما تكون باعتبارها مصالح الدارين، كما يمكن القول بأن هذه
المقاصد في أقسامها، كما قال اﻹمام الشاطبي رحمه الله: "في
بيان قصد الشارع في وضع الشريعة"، وهي لا تتعدى
ثلاثة أقسام، واحدة أصلية واثنان تبعيان، فالأصلية هي الضرورية، أما التبعية فهي
إما حاجية أو تحسينية، كذا بمعنى الأصول والكليات
فهي أصول الشريعة التي جاءت من أجلها.
٭ الضرورية: وهي
أول ما راعاه الشارع في مقاصده ، لأن بها تنتظم حياة الناس، وبموجبها تستقيم أمور
معاشهم ومعادهم[1].
وقد ركز الإمام الغزالي رحمه الله في ترتيبها على خمسة أمور من الأعلى إلى الأسفل،
على خلاف بين العلماء في ترتيبها، إذا فالضرورة هي: التي لا بد منها لقيام مصالح
الدين والدنيا، أو بتعبير آخر كأن يصل الإنسان إلى حد الهلاك إذا لم يتناول الممنوع، أو كان قاب قوسين أو أدنى
من الفناء، وهذه الحالة تبيح له المحظور.
وهذه الضرورات هي: حفظ
الدين، النفس، العقل، النسل، المال، كما هو على خلاف في أولوية بعضها على بعض عند
العلماء."وقد قالوا إنها مراعاة في كل ملة"[2]. وحفظ الضروريات يرجع
بالضرورة إلى "تشريع الفروض والطاعات والدعوة إلى التمسك بما يقوي جانب الدين
وصيانة المهج والأرواح، وتطهير العقول وتزكية الأموال، وحفظ الأنساب والأعراض"[3].
وقد نظر العلماء أول ما
نظروا في التدليل عليها إلى الحدود والقصاص المفروضة.
٭ الحاجية: فهي كما قال إمام
المقاصد في كتابه المعروف "وهي جارية في العبادات والمعاملات والجنايات":
ففي العبادات:كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر. وفي العادات: كإباحة العيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال، مأكلا ومشربا،
وملبسا، ومسكنا، ومركبا، وما أشبه ذلك. وفي المعاملات:
كالقرض والمساقات والسلم، والتوابع في العقد،... وفي الجنايات: كالقسامة
وتضمين الصناع وما أشبه ذلك[4].
وتأتي هذه الحاجيات في الرتبة عند العلماء بعد
الضروريات من جهة ما يحتاج ﺇليه
الإنسان في جلب المصالح، وقد مثل لها العز بن عبد السلام ( ت660ﮬ )
بثلاث وأربعين مثالا، منها :
في حالة
تغير أحد أوصاف الماء بشيء
سالب لطهور يته . وكذلك كنظر
:أ
كل واحد من الزوجين ﺇلى صاحبه، أو نظر المالك
لأمته التي تحل له، أو النظر ﺇلى الزوجة
المرغوب في نكاحها قبل العقد ﺇن كانت مما يرجى جوابها.
٭
التحسينية: وتأتي في الرتبة الثالثة بعد الحاجيات وهي: تمكن من
طلب الزيادات، وطلب المحاسن وطلب المعالي، في كل العبادات والمعاملات والعادات. وقد
بينها الشاطبي رحمه الله باعتبارها:" الأخذ بما يليق من محاسن العادات...
ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق، وهي جارية
فيما جرى فيه الأوليان: ففي العبادات: كإزالة النجاسات، وستر العورة، وأخذ
الزينة... وقد ضرب جل العلماء مثال الطهارة في هذا القسم، والتقرب بالنوافل
والصدقات وأشباه ذلك. وفي العادات: كآداب الأكل والشرب ومجانبة الإسراف في
المتناولات، وفي المعاملات: كالمنع
من بيع النجاسات وفضل الماء والكلأ. وفي الجنايات: كمنع قتل الحر بالعبد أو
قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد... فهذه الأمور راجعة ﺇلى محاسن زائدة على
أصل المصالح الضرورية والحاجية؛ ﺇذ ليس فقدانها مخل بأمر ضروري، ولا حاجي، وﺇنما
جرت مجرى التحسين والتزيين"[5].
فهذه المراتب الثلاث ينضم إليها ما هو"كالتتمة والتكملة، مما لو فرضنا فقده لم يخل بحكمتها
الأصلية"[6]، ولا يسعني هنا إلا القول بأن الشاطبي قد أبدع إبداعا جيدا في
استقرائه للشريعة، والنظر في أدلتها الكلية، أو الجزئية، والتدليل عليها، وكذا
التمثيل لكل واحد منها بأمثلة في كل من العبادات والعادات والمعاملات والجنايات.
وأخيرا أشير إلى أن بعض الباحثين قد جعلوا المراتب خمس لا ثلاث،
كالدكتور جمال الدين عطية في البحث الذي قام به بعنوان׃ (نحو تفعيل مقاصد الشريعة) قال׃ في عنوان -المراتب ثلاث لا خمس- وبدأ في الحديث بأن
المراتب خمس׃ المشروع
منها ثلاث هي:الضروري والحاجي والتحسيني، وهذا يفترض وجود مرتبتين أخريين، وهما ما
دون الضـروري ومرتبة ما دون التحسـيني، وقد
نقل قول البعض من أجـل تدعيم :أاقتراحه،
(المراتب خمس׃ ضرورة، وحاجة، ومنفعة، وزينة، وفضول) وقد ضرب لكل
منها مثالا[7].
ورد ذلك بأن
المراتب الثلاث متفق عليها في الغالب، كما أن ما دون الضروري داخل لا محالة في
الضروري فليس بعد الهلاك شيء، وأيضا أن ما دون التحسيني فقد يدخل في التحسيني قطعا،
أو الحاجي كذلك، لأنه كلما اقترب الشيء من الحاجي نعتبره حاجي وكلما اقترب من
التحسيني يعتبر تحسيني أيضا[8].
وأخيرا أختم بأفضل
ما ختم به الإمام الشاطبي حديثه عن هذا في خمسة مطالب لا بد من بيانها׃
أحدها׃
أن الضروري أصل لما سواه من الحاجي والتكميلي.
والثاني׃
أن اختلال الضروري يلزم منه اختلال الباقين بإطلاق.
والثالث׃
أنه لا يلزم من اختلال الباقين اختلال الضروري.
والرابع׃
أنه قد يلزم من اختلال التحسيني بإطلاق، أو الحاجي بإطلاق اختلال الضروري.
و الخامس׃
أنه ينبغي المحافظة على الحاجي وعلى التحسيني للضروري.
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة,
مشاركات الزوار
0 التعليقات:
إرسال تعليق