إن
مسألة المقاصد لم تنشأ بالصدفة، وإنما خضعت كباقي العلوم الإسلامية إلى قانون التدرج
والتطور حتى استوت ورست قواعدها العامة والخاصة على يد مجموعة من العلماء الذين
كان لهم الشرف في إخراجها والتعريف بمباحثها، وبما أن المقاصد هي البحث عن الحكم والمعاني
فإن النظر إلى الحكم والأسرار نشأ مع بداية الوحي، والوحي هو الأصل المتضمن
للمقاصد والكليات، لذا يلزم استنطاق آيات الكتاب والبحث في أحاديث السنة لاستخراج
أسرار الحكمة المقصودة، لأن:"نصوص الشارع مفهمة لمقاصده بل هي أول ما يتلقى
منه فهم المقاصد الشرعية"[1]
.
ويعد
الصحابة الكرام أول من فهم روح الشريعة وعلم بمقاصدها، ذلك لأنهم عايشوا تنزلات
الوحي الرباني، كما تلقوا فهم أسراره من خلال من أوكلت إليه مهمة التبليغ، فعرفوا
وعاينوا من الأسباب ما يكشف الستار عن مقاصد النص، فضلا عن سلامة لسانهم من اللحن
أو الزلل فكان كل ذلك مما يجعلهم يوقنون بالمراد المطلوب، وجاء بعدهم جيل التابعين الذين أخذوا هذا الإرث
ممن أخذوه من منبعه الصافي، إلى أن هيأ الله
من العلماء من يكتب عن المقاصد تقسيما وتعريفا، أمثال: إمام الحرمين عبد الملك
الجويني في القرن الخامس من خلال كتابه في الأصول، ثم جاء بعده الإمام الغزالي
رحمه الله الذي جعل لعلم المقاصد مبحثا خاصا في كتابه المستصفى ضمن باب القياس،
فصار على نهجه من جاء بعده، إلى أن قيض الله للإمام الشاطبي أمر الاعتناء بالمقاصد
كعلم مستقل له قواعده ومباحثه الخاصة به في كتابه: التعريف بأسرار التكليف المشهور
بين الناس بالموافقات في أصول الشريعة، فأسس هذا العلم تأسيسا حقيقيا واضعا أصوله
وضوابطه المحكمة، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى إسهامات بعض العلماء في موضوع
المقاصد كالإمام العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام، والإمام
بن قيم الجوزية من خلال كتابه الطرق الحكمية، إلا أن شرف التأسيس والتقعيد حظي به
الإمام الشاطبي في القرن الثامن، وكان هذا بمنزلة إعلان عن بدء مرحلة جديدة لعلم
جديد، ونسج على منهاجه العام كل من جاء بعده رغم بعض الإضافات التي قدمها بعض
العلماء في مجال المقاصد، أذكر من هؤلاء العلماء الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه
مقاصد الشريعة الإسلامية، والشيخ علال الفاسي، و الدكتور أحمد الريسوني وغيرهم...وعلى
غرار ما قدمته يمكن القول أن علماء المالكية لهم النصيب الأكبر والحظ الأوفر في
التأسيس والبحث والشرح والاختصار في هذا العلم، ولا أعني بقولي هذا أن غير
المالكية ليس لهم نصيب أو إسهام في هذا العلم، وإنما الحظ الأوفر برز من خلال
علماء المالكية، وإن كانت الإشارات والإرهاصات الأولى للعلم من علماء الشافعية والحنابلة
وغيرهم كما ذكرت في البداية عن الإمام الجويني رحمه الله.
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة,
مشاركات الزوار
0 التعليقات:
إرسال تعليق