إن الاجتهاد في
استنباط الأحكام الشرعية علم مستقل بنفسه[1]، له شروطه الخاصة به ودواعيه التي يتطلب أن تقع، وله
أهله وهم العلماء من الفقهاء والمفتين، قال اﻹمام الشاطبى رحمه الله: “إن تعلق الاستنباط من النصوص فلا بد من اشتراط العلم
بالعربية، وإن تعلق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجردة عن اقتضاء النصوص لها أو
مسلمة من صاحب الاجتهاد في النصوص فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية، وإنما يلزم
العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة و تفصيلا”[2] · أما صاحب هذا الاجتهاد كما عرفه الإمام الشاطبي
رحمه الله ﻓﺈنه بمنزلة: "المخبر عن الله كالنبي وموقع الشريعة على أفعال
المكلفين بحسب نظره كالنبي، ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي، ولذلك
سموا أولي الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى׃ ﴿
يأيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ سورة النساء الآية59[3]. ٳذا فلا بد من الاجتهاد حتى يتسنى للمكلف الفعل
وفق مقاصد الشرع، وهذا لا انقطاع له ﴿كما ثبت﴾ حتى ينقطع التكلف، ومما يجب فيه
البحث عن مقاصد الشارع حقيقة وبوسائل تثبت الحكم الشرعي عند المجتهد، ومما ينبني
عليه بداهة قواعد عامة وخاصة من الفقه أو الأصول وصولا ٳلى الغاية المقصدية للشريعة، فالمجتهد حينما تعرض له
نازلة فٳن التوصل ٳلى الحكم ״يمر عبر قنوات من القواعد
الفقهية و التي تعد بمثابة وسائل ﻹ ثبات الحكم، فنرى المجتهد استند ٳلى
قواعد فقهية״[4] فمسألة القروض والتعاملات البنكية
مثلا׃ يمكن تقسيم المتعاملين
مع البنوك التي تسدي خدمات ٳلى فئتين من
الناس فئة غير ملزمة قانونيا في
التعامل مع مثل هذه المؤسسات، فيكون التعامل
معها لا يدخل ضمن قاعدة الضرورة، وفئة ملزمة قانونيا بالتعامل مع البنك مثل׃ الشركات والمصدرين والمستوردين
وجملة من المصالح العامة التي لا بد من حدوثه للبعض كاﻹبداع ٳما لصيانة المال أو تسهيل تداوله أو تحويله ٳلى
جهات أخرى، هنا نرى أن الوجه يختلف عن الأولى وتتباين فيه الفتاوى والأقوال، فمثل
هذه المسألة يتطرق فيها ٳلى دراسة القواعد دراسة مستفيضة، ومعرفة فروعها، ومستثنياتها،
وقياساتها ثم تعليل الحكم التنزيلي على المسألة للتبيين عن مدى اتفاق الحكم مع
المقصد، ومن ثمة نلحظ أن الاجتهاد يمر أو ״ يعتمد على وسائل ﻹثبات الحكم الشرعي، فاﻹثبات يعتمد على كل ما يحسن أن يعتمد
مما هو داخل دائرة المعقول والمنقول مما يحقق مقاصد الشارع وأغراضه״[5].
فالقواعد الأصولية والفقهية والمقاصدية ״تلتقي في غاية واحدة وهي׃ إسعاف
المجتهد بالقواعد العامة التي يتحتم مراعاتها واﻹحاطة بها عند بيانه للأحكام، وتقف
هذه القواعد جنبا ٳلى جنب ﻹثراء المجتهد بمجموعة كبيرة من الأدلة، التي تعينه عند
النظر والاستدلال والترجيح بين المصالح في حال تعارضها״[6]. واﻹمام السيوطي رحمه الله يذكر في بداية كتابه״ أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم به يطلع على حقائق
الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره، ويتميز في فهمه واستحضاره، ويقتدرعلى اﻹلحاق
والتخريج ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا
تنقضي على مر الزمان״[7]. فاﻹمام بقوله هذا يشير ٳلى أن الاجتهاد يكون بواسطة
القواعد للتعريف على أحكام شرعية في مسائل لا نص على حكمها، وقد تحدث عما تحدث عنه
السيوطي رحمه الله اﻹمام القرافي في أن اﻹفتاء والاجتهاد يسهل ويصيب مداه في
النازلة المبحوث فيها، ﺑاعتماد القواعد
التي تقرب على المجتهد مسالك المسألة، وتجمع له شتات الفقه، فيسهل عليه الاستحضار
والقياس على نظائرها. فقال ما نصه: ״وهذه
القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر اﻹحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف،
وتتضح مناهج الفتوى وتكشف فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء... وحاز قصب السبق
من فيها برع... ومن ضبط الفقه بقواعده ﭐتحد عنده ما تناقض عند
غيره، و تناسب وأجاب الشاسع البعيد و تقارب״[8].
ومن خلال كتب النوازل يلاحظ أن العلماء الأقدمون اعتمدوا على كثير من
القواعد في سبيل بيان الحكم الشرعي، بل واعتبروها أدلة مستقلة، يستند عليها لتأييد
الحكم. ٳذا فلا حرج أن يبنى الاجتهاد من خلالها وعلى غرارها بدقة في تحديد المقاصد،
ٳذا ما أنزلت بطريقة علمية صحيحة مراعية الفروع والمستثنيات، ثم كانت في محلها
الذي ينبغي أن تكون عليه، قال الدكتور عبدالرحمان إبراهيم الكيلاني: ״فهذه القواعد تتعلق بكيفية تحديد مقصد الشارع״[9]. ويمكن للمجتهد أن يستند ٳليها من غير حرج
كدليل مستقل يكشف له عن حكم الوقائع المستجدة"[10]. وبما أن القواعد معتمدة
في النوازل والمسائل المستجدة فستكون لا محالة مرتبطة بهدف عظيم، هو تحقيق مقصد
الشارع.
ٳذا أخلص ٳلى استنتاج ما يلي׃
ü
أن القواعد تسهل عملية الاجتهاد وتيسرها، ومن هذا التسهيل؛ التشريع
بالجواب على النازلة في أقرب وقت، وفق الشروط المتفق عليها.
ü
بواسطة القواعد يتمكن المجتهد من استنباط الأحكام، والإطلاع
على حقائق الفقه ومآخذه.
ü
يجعل المفتي في النوازل قادرا على استنباط الحلول
للوقائع المستجدة وتخريج الفروع بطريقة سليمة واضحة بينة.
ü
فمثلا قاعدة المشقة تجلب التيسير يفهم منها بناء التشريع
على مقصد من مقاصد الشريعة الغراء هو مبدأ رفع الحرج وهذا مقصد كبير جاءت الشريعة
من أجله، قال الله تعالى׃﴿ و ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾[12]. وقوله
e׃ “يسروا ولا تعسروا”
ü
وما خير رسول الله eبين
أمرين ٳلا اختار أيسرهما ما لم يكن ٳثما.
فالقواعد تعطي تصورا واضحا للمقاصد، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وخاتمة هذا المبحث هي׃ أن القواعد من ضوابط
الاجتهاد وقيوده، فلا تتركه يسيح في احتمال الأحكام البعيدة، والله أعلم.
[4] الاجتهاد الفقهي أي دور و أي جديد، تنسيق د محمد الروﯖي. ص 150. (مداخلة د
محمد علي بنصر في الندوة).
مواضيع قد تفيدك أيضاَ :
الرئيسية,
قسم المقالات المنوعة,
مشاركات الزوار
0 التعليقات:
إرسال تعليق